سنوات الزلازل والجهل والفتن
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: والله إنِّي لأعلم الناس بكلّ فتنةٍ هي كائنة فيما بيني وبين الساعة وما بي إلاَّ أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرَّ إلَيَّ في ذلك شيئًا لم يحدّثه غيري، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدّث مجلسًا أنا فيه عن الفتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعدّ الفتن؛ منهنّ ثلاث لا يكدْن يذَرن شيئًا، ومنهنّ فتن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار (صحيح مسلم). وعنه قال: لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبةً ما ترك فيها شيئًا إلى قيام الساعة إلاَّ ذكَره حفظه من حفظه ونسيه من نسيه (متفق عليه). وقال عمرو بن أخطب: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبَنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلّى ثم صعد المنبر فخطبَنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلّى ثم صعد المنبر فخطبَنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلَمُنا أحفَظُنا (صحيح مسلم). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {اعدد ستًّا بين يدَي الساعة؛ موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يُعطَي الرجل مائة دينار فيظلّ ساخطًا، ثم فتنة لا يبقى بيتٌ من العرب إلاّ دخَلَته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كلّ غاية أثنا عشر ألفا}(صحيح البخاري) وفي رواية أحمد: {فسطاط المسلمين يومئذٍ في أرضٍ يُقال لها الغوطة في مدينة يقال لها دمشق}(قال الأرنؤوط: صحيح على شرط مسلم)، فالفتنة هي فتنة الدهماء، والهدنة هي التي تكون فيها الحرب العالمية، ثم تكون الملحمة الكبرى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {إنّ من أشراط الساعة أن يُرفع العلم ويكثر الجهل ويكثر الزنا ويكثر شرب الخمر ويقلّ الرجال ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القَيِّم الواحد}(متفق عليه) وقال: {بين يدي الساعة أيام الهرج يزول فيها العلم ويظهر فيها الجهل}(صحيح البخاري) {يتقارب الزمان وينقص العلم ويلقى الشحّ وتظهر الفتن ويكثر الهرج؛ القتل القتل}(صحيح البخاري) وقال: {لا تقوم الساعة حتى يُقبض العِلْم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل القتل}(صحيح البخاري) {إنِّي مكفوتٌ غير لابثٍ فيكم ولستم لابثين بعدي إلاّ قليلا، بل تلبثون حتى تقولوا: متى؟ وستأتون أفنادًا يفني بعضكم بعضًا وبين يدَي الساعة موتانٌ شديد وبعده سنوات الزلازل} رواه الإمام أحمد في مسنده وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على غرابة في متنه، ورواه ابن حبان في صحيحه وأبو يعلى في مسنده وقال حسين أسد: إسناده صحيح، ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين، وقال الذهبي: الخبر من غرائب الصحاح.
تقارب الزمان المقصود ما جاء في الحديث: {لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر ويكون الشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كاحتراق السعفة أو الخوصة أو قال كالضرمة بالنار}(صحيح ابن حبان والجامع) وقوله (كالجمعة) أي: كالأسبوع، قال ابن حجر: المراد نزع البركة من كلّ شيء حتى من الزمان وذلك من علامات قرب الساعة.
وقوله (يُلقى الشحّ) أي: ينتشر ويملأ القلوب حتى يبخل كلّ صاحب خير بما عنده، وأشنعه البخل بالعلم والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالشحيح شرعًا هو المانع لما يجب عليه من النفقة والصدقة والنصيحة والنصرة } ومن يوقَ شحّ نفسه فأولَئك هم المفلحون {(الحشر).
أمَّا الهرج فهو كما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بأنَّه القتل القتل، وهو من نتائج الاختلاف والفساد، وهو ما يشير إليه لفظ (الهرج)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {العبادة في الهرج كهجرة إلَيّ}(صحيح مسلم) أي: عند انتشار الفساد والفتن وبُعد الناس عن الله كما هو غالب زمننا هذا.
ومن المعلوم المؤكَّد أنَّ القرن الماضي هو قرن الدماء والموتان الشديد الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ البشر؛ أكثر من 200 مليون قتيل في الحروب وحدها، وقد بدأت سنوات الزلازل وهي في ازدياد، وأمامنا مذابح ومذابح شديدة.
أمَّا الجهل فحدِّث ولا حرج عليك، فقد انتشر العلم بالدنيا وانتشر الجهل بالآخرة، سواء الجهل بعدم العلم أو بعدم الاستفادة من العلم وهذا أسوأ وهو حال كثير من الناس وحال بعض علماء السوء وشيوخ الضلالة والفساد، {إنَّ الله تعالى يبغض كلّ عالم بالدنيا جاهل بالآخرة}(صحيح الجامع) ومن علماء السوء مثلاً هؤلاء الذي أحلُّوا المعازف والغناء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {سيكون في آخر الزمان خسفٌ وقذفٌ ومسخ إذا ظهرت المعازف والقينات واستُحِلَّت الخمر}(صحيح الجامع) انظر (الغناء والمعازف).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف} قيل: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: {نعم إذا ظهر الخبث}(صحيح الجامع).
ماذا تستفيد؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار}(صحيح مسلم) وهذا إذا لم يكن خصمك عاديًا ظالِمًا، فإنَّ {من قُتل دون ماله فهو شهيد ومن قُتل دون دمه فهو شهيد ومن قُتل دون دينه فهو شهيد ومن قُتل دون أهله فهو شهيد}(صحَّحه الترمذي والألباني) فيجب أن تكون نيتك حال مقاتلتك هذا الظالم الدفاع عن نفسك أو دينك أو مالك أو عرضك لا أن تريد قتله.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {خير الناس في الفتن رجل آخذ بعنان فرسه أو قال برسن فرسه خلف أعداء الله يخيفهم ويخيفونه أو رجل معتزل في باديته يؤدِّي حقَّ الله تعالى الذي عليه} قال الحاكم والذهبي: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم.