الأصهب والأبقع والسفياني
ومذابح ومذابح ومذابح
الآثار التي ذكرها نعيم بن حماد في كتابه (الفتن) تشير إلى أنّ هناك سفيانيين أحدهما يملك 3.5 سنوات والثاني 9 أشهر.
يخرج الأوّل من قرية إندرا في غرب الشام في سبعة نفر وذلك عند اختلاف الرايات السود، قال محمد بن الحنفية: إذا اختلفوا بينهم رُفِع بالشام ثلاث رايات...، وكذلك قال علِيّ إن صحّ عنه الخبر: إذا اختلف أصحاب الرايات السود يُخسف بقرية من قرى إرم لبعض جانب مسجدها الغربيّ ثم تخرج بالشام ثلاث رايات؛ الأصهب والأبقع والسفياني، فيخرج السفياني من الشام والأبقع من مصر فيظهر السفياني عليهم. والأبقع من مضر قصير جبار، والأصهب من آل الحكم أزرق أصهب، وفي الأثر أنَّهما يقتتلان مقتلة عظيمة ثم يظهر عليهما الأخوص السفياني، وقال ابن الحنفية: إذا ظهر السفياني على الأبقع دخل مصر فعند ذلك خرابها. وقال حذيفة: إذا دخل السفياني أرض مصر قام فيها أربعة أشهر يقتل ويسبي أهلها. وقال كعب: لَتُفَتَّنَّ مصر كما تفتّ البعرة. وجاء في أثر آخر أنَّ منصور اليماني وهو سفاح آخر من اليمن يسير إلى السفياني بعد ظهوره على الأصهب والأبقع فيكون بينهما قتال شديد ثم يظهر الأخوص السفياني عليه، ثم يقاتل العراق حتى يدحرهم، ولا أدري لعلّ الأصهب هو الذي على العراق، فيكون ما سبق ذكره عن ظهور السفياني على الأصهب هو ذاته ما سيأتي ذكره عن ظهوره على العراق، وعلى هذا يكون قتاله لليماني بعد قتاله للعراق أو أثناء ذلك، لأنّ قتاله للعراق يطول حتى يهلك، ففي الأثر (إن صحّ) عن الزهري أنَّ السفياني يقاتل العراق ويقاتلهم ويقاتلهم حتى يدحرهم ويدخل الكوفة، قال أرطأة: يدخل الكوفة فتصيبه قرحة فيخرج منها فيموت في الطريق. وذلك في أدنى الشام، فيستخلف بعده السفياني الثاني؛ يبايعه أهل الشام، قال ابن عباس (إن صحّ الخبر عنه): يتبدَّى نجم ويتحرّك بإلياء رجل أعور العين ثم يكون الخسف بعد ذلك. يعني الخسف في جزيرة العرب، وقال أرطأة: في زمان السفياني الثاني تكون الهدّة. وقال ابن مسعود: يتحرّك بإلياء رجل أعور العين فيكثر الهرج (أي القتل) ويحل السبا وهو الذي يبعث بجيش إلى المدينة. وقال كعب: يملك حمل امرأة (أي تسعة أشهر) اسمه عبد الله بن يزيد وهو الأزهر الكلبية المشوّه السفياني. وقال الزهري: متزلّج المنكبين حمش الذراعين والساقين مصفّح الرأس غائر العينين فيهلك الناس بعده. وذَكَر أنَّه بعد أن يبايع أهل الشام السفياني الثاني؛ عبد الله بن يزيد بن الكلبية يقاتل العراق حتى يدخل الكوفة فيقتل مقاتلتهم ويسبي نساءهم ثم يخربها ومنها يبعث جيشًا إلى الحجاز. وهذا يشبه ما قاله ابن مسعود سابقًا، وقال كعب: تعرك الكوفة عرك الأديم.
وهذه الأخبار السابقة وغيرها كثير مما ذُكر في كتاب (الفتن) لابن حماد؛ كثير منها ضعيف وبعضها موضوع، غير أنَّ لكثيرٍ منها أصلاً صحيحًا كما سبقت الإشارة في أوّل موضوع (سنوات الزلازل..)، فمثلاً جاء عن بن أبي مليكة أنَّه قال: غدوت على ابن عباس رضي الله عنهما ذات يوم فقال: ما نمت البارحة حتى أصبحت. قلت: لم؟ قال: قالوا طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدجال قد طرق. قال الحاكم والذهبي: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم، وهذا يعني أنَّ عندهم بذلك علم لم يبلغنا على نحوٍ صريحٍ واضحٍ لحكمةٍ أرادها الله سبحانه وتعالى، لذلك اخترت من هذه الأخبار هنا ما يتفق مع الأخبار الصحاح ولا تنافر بينه بحيث يكون تسلسل الأحداث منطقيًّا يقبله العقل ويسهل على فهم القارئ، ولكننا لا نجزم إلاّ بما ثبتت لنا صحّته.
وليس المقصود التركيز على ذات الأحداث، بل يجب التركيز على الفائدة، فنحن نجزم بأنَّ الأمَّة تعيش ذلاًّ وانهزامًا، وهذا له أسباب معروفة معلومة لكلّ عاقل ذي بصيرة وعلم، انظر (الأمن الحقيقي)، ولا يزول الداء حتى تزول أسبابه {إنَّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم}(11 الرعد) {سنَّة الله التي قد خَلَت من قبل ولن تجد لسنَّة الله تبديلا}(23 الفتح) وزمن المهدي هو زمن عزٍّ وانتصارٍ ونعمةٍ لم تنعمها الأمَّة من قبل، ولا يمكن أن تنتقل الأمَّة هكذا ببساطة من هذا الذلّ والانهزام إلى ذلك العزّ والانتصار والتمكين دون أن تزول أسباب المذلّة والضعف فيها، بل لابدّ من أن يكون بيننا وبين ظهور المهدي تمحيص وغربلة وتنقية يزول فيها هذا الغثاء والخبث، انظر موضوع (الوهن والهموم) لتعرف ما هو الغثاء وموضوع (احفظ الله يحفظك) لتعرف ما هو الخبث.
وما سبق ذكره يتفق مع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: {لَيَفِرّنّ الناس من الدجال في الجبال} قالت أمّ شريك: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال: {هم قليل}(صحيح مسلم) وقال: {تقوم الساعة والروم أكثر الناس}(صحيح مسلم) وجاء في (السنن الواردة في الفتن) أثر عن حذيفة أنَّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {يميز الله أولياءه وأصفياءه حتى يطهّر الأرض من المنافقين والقتّالين وأبناء القتّالين ويتبع الرجل يومئذٍ خمسون امرأة؛ هذه تقول: يا عبد الله استرني يا عبد الله آوني} وهذا يؤيّده قول النبي صلى الله عليه وسلم: {ويقلّ الرجال ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القَيِّم الواحد}(متفق عليه) راجع (سنوات الزلازل والجهل والفتن).
وهكذا فإمَّا أن يكون ما سبق ذكره عن السفياني صحيحًا أو تكفي مذبحة جبل الذهب لإزالة أكثر الغثاء والخبث لتتغلّب بعد ذلك عوامل العزّة والنصر على عوامل الهزيمة والذلّ.
وقد جاء في المستدرك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: {يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامَّة من يتبعه من كلب فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان، فتجمع لهم قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة، ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرّة فيبلغ السفياني فيبعث إليه جندًا من جنده فيهزمهم، فيسير إليه السفياني بمن معه حتى إذا صار ببيداء من الأرض خُسِف بهم فلا ينجو منهم إلاّ المخبر عنهم}(قال الحاكم والذهبي صحيح على شرط البخاري ومسلم) وجمعًا بين النصوص والآثار يبدو لي أنّ السفياني هو الذي يهزم أهل المدينة ويخربها، حيث يهرب المهدي إلى مكة وذلك قبل بيعته بالخلافة.