القحطاني
قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه}(متفق عليه) قال الحافظ ابن حجر: قوله (يسوق الناس بعصاه) هو كناية عن الملْك؛ شبّهه بالراعي وشبّه الناس بالغنم ونكتة التشبيه التصرّف الذي يملكه الراعي في الغنم، وهذا الحديث يدخل في علامات النبوّة من جملة ما أخبر به صلى الله عليه وسلم قبل وقوعه ولم يقع بعد وقد روى نعيم بن حماد في الفتن من طريق أرطاة بن المنذر أحد التابعين من أهل الشام أنّ القحطاني يخرج بعد المهدي ويسير على سيرة المهدي وأخرج أيضًا من طريق عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جدّه مرفوعا: {يكون بعد المهدي القحطاني، والذي بعثني بالحقّ ما هو دونه} وهذا الثاني مع كونه مرفوعًا ضعيف الإسناد والأوّل مع كونه موقوفًا أصلح إسنادًا منه فإن ثبت ذلك فهو في زمن عيسى بن مريم لما تقدّم أنّ عيسى عليه السلام إذا نزل يجد المهدي إمام المسلمين، وفي رواية أرطاة بن المنذر أنّ القحطاني يعيش في الملك عشرين سنة واستشكل ذلك كيف يكون في زمن عيسى يسوق الناس بعصاه والأمر إنّما هو لعيسى! ويُجاب بجواز أن يقيمه عيسى نائباً عنه في أمور مهمّة عامّة.
وقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان هذا الأمر في حمير فنزعه الله منهم وصيّره في قريش وسيعود إليهم. وسنده جَيّد وهو شاهد قويّ لحديث القحطاني فإنّ حمير يرجع نسبها إلى قحطان ...
وهذا يؤيد الأثر السابق بأنّ القحطاني يكون بعد المهدي، ولكن لا يلزم أن يكون في زمن عيسى، قال ابن حجر: وجدت في كتاب التيجان لابن هشام ما يُعرف منه إن ثبت اسم القحطاني وسيرته وزمانه فذكر أنَّ عمران بن عامر كان ملِكًا متوَّجًا وكان كاهنًا معمّرًا وأنّه قال لأخيه عمرو بن عامر المعروف بمزيقيا لما حضرته الوفاة: إنّ بلادكم ستخرب وإنَّ لله في أهل اليمن سخطتين ورحمتين؛ فالسخطة الأولى هدم سدّ مأرب وتخرب البلاد بسببه، والثانية غلبة الحبشة على أرض اليمن، والرحمة الأولى بعثة نبي من تهامة اسمه محمّد يُرسَل بالرحمة ويغلب أهل الشرك، والثانية إذا خرب بيت الله يبعث الله رجلاً يقال له شعيب بن صالح فيهلك من خربه ويخرجهم حتى لا يكون بالدنيا إيمان إلاّ بأرض اليمن انتهى.
ثم ذكر أنّه ذكر في (باب الحجّ) أنّ البيت يُحج بعد خروج يأجوج ومأجوج وأشار إلى الجمع بينه وبين حديث {لا تقوم الساعة حتى لا يُحج البيت} وأنّ الكعبة يخربها ذو السويقتين من الحبشة، ثم قال: فينتظم من ذلك أنّ الحبشة إذا خربت البيت خرج عليهم القحطاني فأهلكهم وأنّ المؤمنين قبل ذلك يحجّون في زمن عيسى بعد خروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم وأنّ الريح التي تقبض أرواح المؤمنين تبدأ بمن بقي بعد عيسى ويتأخّر أهل اليمن بعدها ويمكن أن يكون هذا مما يفسّر به قوله {الإيمان يمان} أي يتأخّر الإيمان بها بعد فقده من جميع الأرض، وقد أخرج مسلم حديث القحطاني عقب حديث تخريب الكعبة ذو السويقتين فلعلّه رمز إلى هذا. ثم ذكر ابن حجر أنَّ البخاري أورد الحديث في باب تغيير الزمان حتى تعبد الأوثان، قال: وفي ذلك إشارة إلى أنّ ملك القحطاني يقع في آخر الزمان عند قبض أهل الإيمان ورجوع كثير ممن يبقي بعدهم إلى عبادة الأوثان وهم المعبّر عنهم بشرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة.
قلت: لعلّ القحطاني يملك بعد موت عيسى صلى الله عليه وسلم، ولعلّه هو الذي يوصي بالخلافة له من بعده، فيمكث عشرين عامًا يكون فيها طلوع الشمس من مغربها والدابة والدخان، ثم انبعاث الريح الطيبة الناعمة من اليمن.
وربما ينطلق ذو السويقتين قبل انطلاق الريح، فيدرك المؤمنون قصده فيريدون صدّه أو يرسل القحطاني له جيشًا ولكن تدركهم الريح فتقبض أرواحهم، فيصل ذو السويقتين إلى الكعبة وينقضها حجرًا حجرا، فيصل الخبر إلى القحطاني فيرسل إليهم جيشًا أو ينطلق هو على رأس جيشٍ فيدمّرهم تدميرًا ويتمّ انتقام الله تعالى على من خرّب بيته، ثم تدركهم الريح بعد ذلك فتقبض أرواحهم، ويبقى شرار الناس وعليهم تقوم الساعة.
وأورد المناوي في فيض القدير أنَّ البسطامي قال: قبل نزول عيسى يخرج من بلاد الجزيرة رجل يقال له الأصهب ويخرج عليه من الشام رجل يقال له جرهم ثم يخرج القحطاني رجل بأرض اليمن فبينما هؤلاء الثلاثة إذا هم بالسفياني وقد خرج من غوطة دمشق . . .
ولكن لا يصحّ أن يكون القحطاني المقصود في الحديث هو منصور اليماني الذي ذُكر أنَّ (له فورة شديدة يستقتل الناس قتل الجاهلية)، لأنّ القحطاني رجل صالح، قال ابن حجر: أخرج (أي نعيم بن حماد في كتاب الفتن) بإسناد جيد من حديث بن عباس قال فيه: ورجلٌ من قحطان كلّهم صالح.
وهكذا إمَّا أن يكون ظهور القحطاني قبل السفياني وبالتالي لا أثر لمنصور اليماني، أو يكون ظهور القحطاني في آخر الزمان، وبالتالي يكون القحطاني الذي ذكره المناوي عن البسطامي ليس هو القحطاني المقصود في الحديث، وبذلك يجمع بين هذه الآثار بافتراض صحّتها، والله تعالى أعلم.